أمن الانتخابات
ما هو أمن الانتخابات؟
في أيّ انتخابات، تتّخذ السلطات عدّة خطوات لتضمن أنّ الناخبين، والمرشّحين، والعاملين في مكاتب الاقتراع، والمراقبين، وغيرهم من الأشخاص المشاركين في الانتخابات لا يختبرون أيّ شعور بالخوف أو الأذى نتيجة المشاركة في العملية الانتخابية، ولتحرص على حفظ المواد الانتخابية الحسّاسة في مكانٍ آمن. تختلف الشروط الأمنية المحدّدة لانتخابات معيّنة، اختلافاً واضحاً، تبعاً للسياق. ففي الأماكن التي تشهد نزاعاً متواصلاً، أو حيث يكون احتمال العنف كبيراً، يجب التنبّه لعدّة عوامل لحفظ الأمن، ومن الأرجح أن ينطوي هذا الأمر على نشر أعدادٍ كبيرة نسبياً من الموظّفين الأمنيين، مثل الشرطة أو الجيش، لحماية مكاتب الاقتراع والأفراد. وفي كلّ دورة انتخابية، يجب وضع خطط لنقل الموادّ الانتخابية وحفظها بشكلٍ آمن، لا سيّما الأوراق الاقتراعية وصناديق الاقتراع. كما يجب اتّخاذ التدابير الاحتياطية لحماية الوسائل التكنولوجية المستخدمة في العملية الانتخابية للوقاية من أيّ عملية تلاعب أو قرصنة.
إنّ احتمالات تفشّي العنف في الفترات الانتخابية تنتج عن الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مجتمع معيّن. في هذا الإطار، من الخطط الفعّالة للتخفيف من العنف، تحديد علامات الإنذار المبكر، والتشجيع على المراقبة المدنية وجهود الحدّ من العنف، وإرسال عدد مناسب من ضبّاط الأمن المدرّبين، والتنسيق بين الوكالات الحكومية، وتوعية العامة وغير ذلك. ويجوز أن تشارك عدة مؤسسات، مثل هيئات إدارة الانتخابات، ووزارات الداخلية، وهيئات معنيّة أخرى، في تكريس أمن دورة انتخابية معيّنة. فتعمل هذه المؤسسات على تطوير الإجراءات الأمنية وتطبيقها ومراجعتها على امتداد العملية الانتخابية. بدوره، يؤدي المجتمع المدني، من خلال المنظّمات، والنقابات العمالية، والشخصيات الدينية والقبلية، ووسائل الإعلام دوراً مهمّاً في إيجاد بيئة انتخابية آمنة، من خلال القيام بمبادرات وساطة، والتشجيع على نبذ العنف، وتحسين ثقة العامة في إمكانية مشاركتهم بشكل آمن في الانتخابات. في العديد من الدول، مثل كينيا ونيجيريا، تأخذ خطط أمن الانتخابات بعين الاعتبار مثل هذه النشاطات التي يزاولها المجتمع المدني. ففي كينيا، تمّ إشراك المجتمع المدني والمتنافسين الانتخابيين في جهود التنسيق كي يساهموا في صياغة السياسات.
العنف الانتخابي هو عبارة عن أعمال العنف المقصود منها التأثير على سلوك الناخبين، والمتنافسين، والمسؤولين، أو جهات فاعلة أخرى، و/أو التأثير على نتيجة الانتخابات. تنطوي أعمال العنف الانتخابي على أيّ استخدام للقوّة بغرض إلحاق الأذى، أو التهديد بإلحاق الأذى بالأشخاص أو الممتلكات المعنيّين بالعملية الانتخابية. وتنشب أعمال العنف عادةً بين مناصري مختلف المعسكرات السياسية، لا بل بين مناصري المعسكر السياسي نفسه، في محاولةٍ رذيلة لنيل منصبٍ معيّن عن طريق الانتخابات. فيجوز للقوى المعارضة لإدارة الحكم الديمقراطي أن تهاجم أهدافاً انتخابية لتغذّي سعيها إلى السلطة خارج نطاق المنافسة الانتخابية. كما يمكن أن تنشب أنواع أخرى من العنف التي تستند إلى مشاعر العداوة الشخصية أو الشكاوي بين المجموعات السكانية في الفترة الانتخابية، رغم كونها غير مرتبطة بالانتخابات مباشرة. لذا، يجب أن تأخذ الخطط الأمنية بعين الاعتبار مدى احتمال نشوب كلّ نوع من أنواع أعمال العنف، وكيفية الوقاية أو التخفيف منها، أو وضع حدٍّ لها نهائياً في ظلّ احترام الحقوق الأساسية.
ما أهمية أمن الانتخابات؟
كي تكون الانتخابات شمولية وتشاركية وتنافسية- وتعكس في نهاية الأمر إرادة الشعب- من الضروري أن يتمكّن المرشّحون المتنافسون من تنظيم الحملات؛ وأن يدلي المواطنون بأصواتهم بطريقة واعية وسريّة دونما خوف من الأعمال الانتقامية؛ وأن يتمكّن المسؤولون من إدارة العملية بنجاح؛ وأن يقوم المجتمع المدني والإعلام، والأحزاب بالمشاركة والمراقبة دونما خوف من أيّ أذى. في العديد من الدول، تساعد هيئات إدارة الانتخابات في تنسيق العمليات ومهام الموظّفين بهدف حماية مختلف جوانب الانتخابات. لكن يجب أن تأخذ الخطة الأمنية لأيّ عملية انتخابية بعين الاعتبار تبعات نشر القوّات المسلّحة. فمع أنّ نشر هذه القوّات قد يكون ضرورياً حيثما يُحتمل أن تنتشر أعمال العنف الانتخابي، إلا أنّ وجودها قد يخيف المواطنين أو يثنيهم عن المشاركة. في هذا الإطار، إنّ مساهمة المجتمع المدني في مراحل التخطيط يمكن أن تساعد في أخذ مخاوف المواطنين بعين الاعتبار بدرجةٍ أكبر، وإحاطتهم علماً بالإجراءات المعتمدة لضمان أمنهم. في الوقت نفسه، إنّ ضمان الأمن في الانتخابات يشترط اعتماد إجراءات أكثر شمولية من مجرّد نشر القوات الأمنية. بالفعل، إنّ تحليل الحوادث السابقة وأنماط العنف ضروريّ لمعرفة كيفية توزيع الموارد المخصّصة لمكافح العنف. فضلاً عن ذلك إنّ تحديد علامات الإنذار المبكر خطوة لازمة لاعتماد الإجراءات الوقائية، كما إنّ دحض الشائعات المتعلقة بحالات العنف المحتمل أو الفعلي أساسيّ للتخفيف من إمكانيات إبداء ردود الفعل العنيفة. في أغلب الأحيان، يفترض هذا الأمر ضرورة الاعتماد على المعلومات الحديثة والفورية للحصول على نتائج فعالة.
ومن الأمور التي لا تقلّ عن ذلك أهمية ضرورة إحاطة المواد الانتخابية بكافة تدابير الأمن الفعلي. فإذا لم تكن الموادّ الحساسة- مثل بطاقات الاقتراع وصناديق الاقتراع- تحظى بحماية مناسبة، قد يُفسح هذا الأمر مجالاً أمام تلاعب فعليّ أو محتمل، ويخفّف من ثقة العامة بالعملية ومن مدى قبولهم للنتائج. لذا، يجب إعلام العامة والمرشّحين الانتخابيين بهذا الجانب الأمني لنيل ثقتهم بنزاهة الانتخابات.
يجب أن تكون المؤسسات المشاركة في هيكلية العمل الأمنية شفافية وغير منحازة، كما يجب أن يُنظَر إليها على هذا النحو. فيحب أن تقوم المؤسسات القضائية بمحاسبة المسؤولين عن هيكلية العمل الأمنية المتعلقة بالانتخابات، والبتّ في الشكاوى المتعلقة بأمن الانتخابات وأعمال العنف الانتخابي. في العام 1997، أنشأت المكسيك مكتب النيابة العامة الفدرالية الخاصّة بالجرائم الانتخابية ("فيباد" باللغة الإسبانية) التابع لمكتب النيابة العامة الفدرالية، حيث شكّلت فئة خاصة تحت اسم "الجرائم الانتخابية". وقد تمثّلت مهمّة "فيباد" بالتحقيق في مزاعم المواطنين المتعلقة بالانتهاكات الانتخابية، والعمل على الوقاية من الجرائم الانتخابية، وهي مهمّة تتطلّب منه التواصل مع المواطنين في المقام الأول لتنبيههم إلى حقوقهم الانتخابية.
يجب أن تلمس العامة أنّ السلطات المعنيّة تعمل على إعداد إجراءات فعالة لضمان أمن الانتخابات. فمن شأن المعلومات المتعلقة بالإجراءات الأمنية المعتمدة خلال الانتخابات أن تعزّز ثقة المواطنين بالعملية وتفسح المجال أمام مشاركتهم بشكل كامل سواء كناخبين أم مرشّحين أم عاملين في المراكز الاقتراعية أم مراقبين أم في أدوار أخرى. من جهتهم، يمكن لناشطي المجتمع المدني والمرشّحين أن يقيّموا الإجراءات الأمنية المطبّقة لتحديد إن كان الأمر يستدعي أيّ إصلاحات لازمة للمضيّ قدماً. فمن خلال إتاحة فرصة الوصول إلى المعلومات المتعلقة بجهاز أمن الانتخابات وعملية صنع القرار، يمكن للمجتمع المدني والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام أن تتأكّد من التزام هيئة إدارة الانتخابات و/أو القوى الأمنية بالإجراءات اللازمة وأدائها دوراً إيجابياً. فضلاً عن ذلك، يمكن لمجموعات المراقبة المدنية أن تقيّم العملية الانتخابية بشكل أفضل، من وجهة نظر حيادية، إذا تحقّقت من البيانات الواردة في تقاريرها عن طريق مقارنتها بالبيانات الرسمية المتعلقة بأحداث العنف الانتخابي. وليس هذا فحسب، بل يمكن لهذه المجموعات أيضاً، إذا ما اطلّعت على معلوماتٍ حول طريقة محاكمة هذه الجرائم الانتخابية، والجهات المسؤولة عن النظر في الدعاوى ذات الصلة، أن تحاسب السلطات القضائية على كيفية بتّها في الجرائم ومعالجتها للشكاوى. كما يمكنها أن تقدّم معلومات دقيقة ومناسبة للضحايا حول كيفية نيل حقّهم سلمياً للتعويض عن أعمال عنف انتخابي تعرّضوا له.
مثال عن البيانات المتعلقة بأمن الانتخابات
تتضمّن البيانات المتعلقة بأمن الانتخابات معلومات مستقاة من مؤسسات تنفيذ القوانين والمؤسسات الأمنية والقضائية. فتشمل البيانات التي يمكن الحصول عليها من هيئات تنفيذ القوانين المعايير المحدّدة و/أو القواعد الواضحة لمشاركة الشرطة والجيش في العملية الانتخابية. ويجب أن تنشر مؤسسات تنفيذ القوانين و/أو المؤسسات الأمنية كافة الخطط التي لا تتضمّن معلومات حسّاسة عن كيفية نشر القوى الأمنية، فضلاً عن استراتيجية توزيع الموظّفين العاملين في مكاتب الاقتراع خلال يوم الانتخابات، بما في ذلك عدد الضباط الأمنيين الذين ينبغي أن يتواجدوا في كلّ مكتب. كما يجدر بجهاز الشرطة أن يجمع معلومات عن حوادث العنف الانتخابي، ويضعها بمتناول العامة. ويجب أن تكون تقارير حوادث العنف الانتخابي مفصّلة وأن تشمل نوع الحادثة، وتاريخها، ووقتها، ومكان وقوعها، فضلاً عن الضحايا، والمرتكبين، والشهود، ونوعهم الاجتماعي، وسنهم، وانتماءاتهم الحزبية إن توافرت، إلى جانب وصف وجيز لما جرى. أما البيانات المستقاة من المؤسسات القضائية، فتشمل معلومات عن كيفية معالجة الشكاوى المتعلقة بأعمال العنف والإجراءات الأمنية خلال الانتخابات، بما في ذلك مراجعة هيكلية العمل القانونية إن توافرت، والنظر في طريقة الفصل القانوني في الحوادث الأمنية المتعلقة بالانتخابات.